آية الله السيد محمود الحسني الصرخي يتحدث الى "النهار":
يصنّف آية الله السيد محمود الحسني الصرخي ضمن طبقة رجال الدين الشباب المتحدرين من خلفية أكاديمية قبل التحاقهم بالدراسة الدينية الكلاسيكية في النجف، إذ تخرج من قسم الهندسة المدنية في جامعة بغداد عام 1987، ثم التحق بالحوزة العلمية في النجف آتياً من مدينة الكاظمية في بغداد عام 1994.
تتلمذ على يد علماء كبار، او كما يسميهم هو "الأساتذة" سواء من طريق الدراسة المباشرة على يد آية الله محمد صادق الصدر الذي اغتاله نظام صدام عام 1999، او غير المباشرة مثلما هي الحال مع اية الله محمد باقر الصدر الذي أعدمه نظام صدام حسين عام 1980. كما انه يقع في تصنيف رجال الدين غير المرضي عنهم من السلطات، سواء في عهد نظام البعث او النظام الحالي.
ويقول السيد الصرخي لـ"النهار" عن مفارقة اختلافه مع السلطتين: "انه الخلاف نفسه يحصل بين أي عالم تأبى نفسه وأخلاقه ودينه أن يكون من وعاظ السلاطين". ويشبه هدم مساجد أتباعه ومقلديه وما يتعرضون من تضييق بما وقع للإمام الحسين في كربلاء. وينتقد بشدة الأساليب المتبعة لتحصيل أموال الخمس والزكاة من المؤمنين، معتبرا انها "أساليب مخادعة رخيصة همها الأول والأخير سرقة أموال الناس".
وهنا الأسئلة والأجوبة:
¶ سماحة السيد، كيف تفسر الهجمة الأخيرة عليكم من خلال تجريف بعض مساجدكم ومكاتبكم الشرعية والتضييق على مقلديكم في محافظة الناصرية ومدن أخرى؟
- الشرع الإلهي إضافة للسنن التاريخية، يؤكدان تلازم عنصري الخير والشر في كل زمان ومكان، ولابد أن يكون في كل أمة هابيل وقابيل، موسى وفرعون، مسيح أمين ومسيح دجال، وبقرينة انتهاك الحرمات وتهديم بيوت الله، لا بد من حسين مظلوم ويزيد.
ان هادم مسجد محمد باقر الصدر في الناصرية ومنتهك الحرمات ومروّع المصلين بمثابة إبرهة العصر. شاء الله تعالى أن يجعل من مظلومية المسجد ومطاردة المصلين واعتقالهم كاشفة عن السريرة الخبيثة والأصل الفاسد للآمر والمتصدي والفاعل لهذا القبح وكذا من والاه وناصره ورضي بعمله وان تكون هذه المظلمة كجريمة ذبح عبد الله الرضيع وسبي أطفال ونساء الحسين وأصحابه في كربلاء.
المسجد ومصلّوه لا يشكلون أي منافسة ولا تهديد ولا يدخلون في أي صراع معهم على المناصب السياسية، ولا في سرقة الأموال والنفط، فكيف سيكون فعلهم وجريمتهم وانتهاكهم لحرمات من يشكل أو يعتقدون أنه يشكل عليهم خطراً وتهديداً لمناصبهم؟ ومن هنا أقول: مادام سيدنا الأستاذ محمد باقر الصدر في مظلومية دائمة، فقد وقع عليه الظلم في حياته وبعد مماته ولا يزال مستمراً بأبشع وأمكر الأساليب.
¶ ثمة من يعتقد أن السياسة وليس الدين والمسائل الشرعية هي من يقف وراء خلافك مع بعض مراجع الدين من جهة ومع الحكومة من جهة أخرى؟
- لا يوجد خلاف بين المراجع العلماء بالمعنى الذي تذكره، وكما قلت لك يوجد نقاش وحوار وخلاف علمي لا غير، أما الخلاف مع الحكومة وبغض النظر عن نوع الحكومة، فإنه نفس الخلاف الذي كان بين سيدينا الأستاذين الشهيدين محمد صادق الصدر ومحمد باقر الصدر وبين حكومة صدام، وهو نفس الخلاف الذي كان بيني وبين تلك الحكومة التي اعتقلتنا وعذبتنا وحكمت علينا بالإعدام، وهو نفس الخلاف الذي يحصل بين أي عالم تأبى نفسه وأخلاقه ودينه أن يكون من وعاظ السلاطين، وبين حكومة غير عادلة وفاسدة.
¶ كيف ترد على من يقول إن أحد أوجه الخلاف بينكم وبين بعض المرجعيات الدينية هو الصراع على أموال الخمس المتأتية من الأتباع المقلدين؟
- الخلاف بين المرجعيات الدينية محصور بالجانب العلمي كما قلت، أنا لا ألومك وكل من يقول ذلك ويعتقد أن الصراع على أموال الخمس، لأن ما يشاهده الناس ونشاهده معهم من استحواذ على أموال الخمس والزكاة وغيرها بأساليب تجارية ملتوية ماكرة، وباسم الدين والمذهب والفقراء والأيتام والأرامل. أساليب مخادعة رخيصة همها الأول والأخير أخذ وسرقة أموال الناس، وتكديسها واستغلالها وصرفها في المتع الشخصية والمتاع الدنيوي والأملاك والأسهم في مختلف دول العالم. انه لأمر مؤسف ومؤلم ولكن لا يصح تعميمه على الجميع.
¶ هل لدى سماحتكم رد على من يتهمكم بادعاء الأعلمية وتضليل الأتباع من خلال الإيحاء لهم بأنك دائم الحديث مع الإمام المهدي وانك تتناول الشاي معه في بعض الأحيان؟
- الواجب الأخلاقي والشرعي والمهني يفرض على كل إنسان منصف يحترم إنسانيته ان لا يصدق كل ما قيل ويقال، خاصة مع ما فيه تعرض للآخرين والقدح بهم، والافتراء والكذب الفاحش المذكور في السؤال وفي أمثاله يمكن التحقق منه من خلال توجيه السؤال لأي شخص من المقلدين والاستفهام عن سبب تقليده وما هي الأدلة والبراهين التي جعلته يقلد فلانا او فلانا، وكذلك يمكن لأي شخص ان يدخل على أي موقع الكتروني رسمي تابع للشخص او المرجع والاطلاع على ما عنده من أدلة وبراهين يدعيها لإثبات دعوته في الاجتهاد والأعلمية.
ثم لا ننسى وفي موارد الدعاوى الدينية والإصلاحية المجتمعية وعلى طول التاريخ تبرز فيها وبوضوح أساليب تسقيط المقابل بأسفه الطرق، وتبرر هذه الأفعال القبيحة وتشرعن بإسم الدين وتحت غطائه، فيحللون الحرام ويحرمون الحلال مع عجزهم عن مواجهة خصمهم بدليل علمي منطقي أخلاقي. انها ديكتاتورية فكرية سمتها تكميم الأفواه ومصادرة العقل والتفكير. ولا يخفى عليكم دعاوى الجنون والسحر كما حصل مع الأنبياء والمرسلين والأولياء الصالحين.
أسلوب التسقيط اتبع معي منذ سنين طوال، وإذا اتفق ان تكون لجهة دينية سطوة وتحكم باسم الدين، فان العداء هنا يصبح مركبا ومضاعفا، لأنه سيكون منظما ومخططا له ومدارا من قبل الحكومة والسلطة نفسها، اذ انها تشعر ان الدعوة الحقة تهدد عرشها ووجودها.
اوجه الاختلاف
¶ رجال
ومراجع الدين الشيعة عموما وسماحتكم واحد منهم، يستقون معارفهم ومسائلهم
الشرعية من المصادر نفسها، فأين وجه الاختلاف بينك وبينهم؟- الاختلاف بين رجال الدين العلماء يكمن في فهم المصدر وقواعده وكلياته وصغرياته، وفي فهم وتشخيص ودقة وتمامية تطبيق ذلك على الخارج وعلى الموارد والوقائع الحادثة وفي فهم وتشخيص الظروف والقرائن المحيطة والمكتنفة بكل مورد وواقعة حادثة، فالخلاف علمي وهو ضروري.
¶ ما الذي يميّزك عن غيرك من رجال الدين، وما هي الإضافة التي قدمتها للمذهب الامامي على صعيد الفقه والفكر والتشريع؟
- كل ما قدمته وأقدمه فهو بفضل الله تعالى، والمقارنة مع الغير تعرف من خلال الآثار العلمية في الفقه والأصول وهي دليل وبرهان وبضاعة العالم المجتهد المرجع، وإلا فهو ليس بعالم اصلا.
أنا أصدرت مجموعة من البحوث في الفقه والأصول والتفسير والتاريخ وهي مطروحة في الساحة العلمية والمكتبات ويمكن لأي شخص ان يطلع عليها ويقيّمها ويقارنها مع ما عند الآخرين.
ثم في مقابل الانتهازية والصراع على المناصب والأموال والتزلف للمتسلطين، فقد وفقني الله تعالى لدفع الشبهات والفتن الكبرى التي اجتاحت المجتمع في العراق وخارجه، وخاصة الفتن التي حاولت النيل والتسقيط لمذهب الحق خصوصاً وللإسلام عموما، من دعاوى وصاية وإمامة ونبوة ودعاوى قطع الأصول التشريعية وإلغائها بدعوى الاتجاه الذاتي والدلالة الذاتية للحروف وغير ذلك.
ولي ان أقول بكل فخر واعتزاز، إني سرت على سيرة ومنهج الصدرين رضوان الله عليهما واعمل على إكمال مسيرهما العلمي والاجتماعي والأخلاقي والشرعي بإثبات حقيقة ما صدر منهما والدفاع عنه صدقا وعدلا ودفع كل ما سجل ويسجل عليه من شبهات وتعليقات، مغالطات وثم طرح كل جديد يصب في اتجاه إكمال ذلك النهج العلمي الأخلاقي الرسالي.
اتهام بهجمات
¶ هناك من يتهم أتباعكم بالوقوف وراء الهجمات بالقنابل الصوتية على بعض وكلاء المرجع السيد علي السيستاني؟- سبحان الله... ولماذا يفعلون ذلك؟ وهل يعقل ذلك ونحن أصحاب الدليل الشرعي الأخلاقي والمجادلة بالحسنى؟ هذا هو منهجنا وسيرتنا طوال السنين ويشهد بهذا الداني والقاصي، فلا نسمح بذلك ولا نجيزه.
وهنا لا بد ان نتساءل عن المستفيد من مثل هذه الأفعال وسط ما يمر به العراق من أزمات سياسية خانقة وأزمات وانتكاسات أخلاقية كبرى. ان كل ذلك يصب لمصالح ومنافع قوى وجهات خارج العراق، ونحن حذّرنا قبل سنين طوال ونحذّر من الصراعات بالنيابة التي ستدمر، ان استمرت، كل شيء وتحرق الأخضر واليابس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق